كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



) في حين أن الكلمة الموجودة بالأصل اليوناني هي كلمة Tontheos) وليس (Hotheos
ولقد كان من الضروري أن تكتب الكلمة الدالة على لفظ الجلالة god وليس God كما فعل مترجمو الإنجيل الغير أمناء.
ونحن نسأل:
لماذا استخدمتم الحرف الكبير (gG) بدلًا من الحرف الصغير:
إنكم تخدعون الناس وتتلاعبون بترجمة أصول كتابكم المقدس.
ولقد جاء بالعهد القديم نص يقول فيه الرب لموسى بسفر الخروج: «أنا جعلتك إلهًا لفرعون»[7: 1].
ولقد قمتم بترجمة النص إلي الإنجليزية هكذا:
I have made you a god to pharoah.
مما يدل على أنكم تميزون بين الإله المعبود بحق والإله عندما يكون غير جدير بالعبادة، فلماذا لم تلتزموا الدقة والأمانة عند ترجمة كلمة Tontheos عندما وردت بأول فقرة من أول أصحاح بإنجيل يوحنا؟
إن هذا هو ما تريدون أن تعتقدوه. إن هذا هو ما تريدون للناس أن يعتقدوا.
ولتوضيح الأمر لك عزيزي المتصفح إليك هذا المثال:
عندما تقول: عبد اليونان القدامى آلهة كثيرة، فإنك تقول بالإنجليزية:
The Ancient Greeks worshpped many gods.
وعندما تقول: نحن نعبد إلهًا واحدًا، فإنك تقول بالإنجليزية:
We worship one God.
فعندما يكون الإله معبودًا بحق تستخدم في بدايته الحرف الكبير G وعندما لا يكون معبودًا بحق تستخدم في بدايته الحرف الصغير g ولقد تلاعب مترجمو إنجيل يوحنا عن اليونانية، فجعلوا كلمة «الله» الواردة في أول إصحاح من إنجيل يوحنا مبدوء بحرف كبير، وكان من الضروري أن يبدأ بحرف صغير لأنها ترجمة لكلمة Tontheos وليست ترجمة لكلمة Hotheos اليونانية.
ثانيًا: إن الكلمة المذكورة في الفقرة هي كلمة التكوين، ذلك أنه لما كان أمر الخلق والتكوين وكيفية صدوره عن الله، ما يعلو عقول البشر، عبر عنه كتبة الأسفار بقولهم في المزمور الثالث والثلاثين الفقرة التاسعة «لأنه قال فكان هو أمر فصار» وفي الترجمة الحديثة للكتاب المقدس: «قال كلمةً فكان وأمر فصار».
فكلمة قال، وكلمة أمر، هي كلمة التكوين، وهو ما ورد في بسفر التكوين الإصحاح الأول: «وقال الله ليكن نور فكان نور» فكلمة ليكن هي كلمة التكوين. وفي المزمور [33: 6] يقول النص «بكلمة الرب صنعت السموات».
ولما كان قد فقد في تكوين المسيح وحمل أمه بما جعله الله سببًا للحمل وهو التلقيح بماء الرجل لما في الرحم، أضيف هذا التكوين إلي كلمة الله وأطلقت الكلمة على المكون إيذانًا بذلك أو إشارة له وهذا من قبيل المجاز.
هذا وان جميع المفسرين من السلف ذكروا أن معنى تسمية المسيح بكلمة الله، أي أن الله سبحانه وتعالى _ قد خلقه بالكلمة وهي «كن»، وأن الكلمة نفسها ليست ذات المسيح، فالمسيح مخلوق بالكلمة وليس هو الكلمة.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (آل عمران: 47) فقد بينت هذه الآية الكريمة انه لما تعجبت مريم عليها السلام من ولادة هذا الولد من غير أب أجابها الملاك مقررًا أن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون، فدل ذلك على أن هذا الولد مما يخلقه الله بقوله (كن فيكون) فلهذا قال الإمام أحمد: عيسى مخلوق بالكن، وليس هو نفس الكن.
ولهذا قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون}.
ثالثًا: وهناك وجه آخر لإطلاق وتسمية المسيح بكلمة الله، وذلك للإشارة إلي ما جاء بكلام الأنبياء عنه وبشارتهم به فقد ورد في سفر أرميا [33: 14] قوله: «ها أيام تأتي يقول الرب: وأقيم الكلمة الصالحة التي تكلمت بها إلي بيت إسرائيل وإلي بيت يهوذا في تلك الأيام» فهنا المراد بالكلمة الصالحة هي كلمة الوعد والبشرى بالمسيح المنتظر.
وورد في سفر اشعياء [2: 3] قوله: «لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب».
يكون إنما سمي المسيح بالكلمة على معنى أنه الكلمة السابق بها الوعد، والبشارة من الله لأنبياء الشريعة ومما يؤكد هذا النظر أنه كثيرًا ما يطلق لفظ «الكلمة» في الكتاب المقدس ويراد بها كلمة الوعد والبشرى.
وإليك الأدلة أيها القارئ الكريم:
- ورد في المزمور الخامس بعد المائة الفقرة الثانية والأربعين ما نصه:
«لأنه ذكر كلمة قدسه مع إبراهيم عبده».
- وورد في سفر أخبار الأيام الأول [16: 15] ما نصه:
«اذكروا إلي الأبد عهده الكلمة التي أوصى بها إلي ألف جيل الذي قطعه مع إبراهيم».
ويكون على ذلك أن إضافة الكلمة لله هي للاحتراز عن الكلمة التي للشيطان وهي التي لا تصدق وهذا طبقًا لما جاء في سفر الأمثال الإصحاح الثلاثين الفقرة الخامسة يقول النص: «كل كلمة من الله نقية».
فيتضح أن كلمة الله نقية وكلمة الشيطان رديئة ولذلك لزم إضافة الكلمة المعبر بها عن المسيح بالوعد والبشرى به لله سبحانه وتعالى.
ولم يرد أيها القارئ الكريم في الكتاب المقدس ذكر صريح للأقنوم الثاني حتى يحمل لفظ الكلمة عليه، كما يقول المسيحيون بأن الكلمة في قول يوحنا في إنجيله بقوله: «وكان الكلمة الله». وأن المراد بذلك في اعتقادهم هو الأقنوم الثاني وهو المسيح من الثالوث، إذ أن عبارة أقنوم لم ترد مطلقًا في أي سفر في العهد القديم ولا في العهد الجديد.
رابعًا: إن إطلاق لفظ الله على الكلمة، وهي المعني عنها بالمسيح، لا يعني إطلاقًا كون المسيح مساويًا لله ومتحد معه، بل غاية ما فيه إطلاق لفظ الله على المسيح، وليس هذا بالأمر الغريب في الكتاب المقدس لأن الكتاب المقدس أطلق لفظ الله على الملاك كما في سفر القضاة [13: 21، 22].
وأطلق الكتاب المقدس لفظ الله على القاضي كما في سفر الخروج [22: 8] وأطلق الكتاب المقدس لفظ الآلهة على الشرفاء كما في المزمور الثاني والثمانين الفقرة الأولى.
كما أطلق الكتاب المقدس لفظ الآلهة على القضاة الدينيين كما في المزمور الثاني والثمانين الفقرة السادسة.
والخلاصة:
أنه إذا كان في الكتاب المقدس مباحًا إطلاق لفظ الله على كل من الملاك، والقاضي، والرجل الشريف، كما أطلق لفظ إله على القضاة الدينيين وعلى الملاك وعلى الشريف، فهل يسوغ القول أن إطلاق لفظ الله على المسيح يقتضي ألوهيته ومساواته لله؟ إنه لو كان الأمر كذلك لكان كل من المذكورين متحدين مع الله ومتساويين معه، ولم بقل أحد بذلك لبطلانه، لذلك كان القول باتحاد المسيح بالله ومساواته لرب العالمين باطل.
خامسًا: أن قوله: «في البدء» كما يحتمل الأزل، يحتمل غيره، كما هو وارد في سفر التكوين [1: 1].
(أ) «في البدء خلق الله السموات والأرض». أي في أول التكوين أو الخلق لا في الأزل.
(ب) وكما في قوله في إنجيل متى إصحاح 8 «ولكن من البدء لم يكن هذا». أي من عهد الزيجة. لا في الأزل.
(ج) وكما في قوله في إنجيل لوقا [1: 2]: «كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء» أي من أول خدمة المسيح لا في الأزل.
(د) وكما في قوله في إنجيل يوحنا [6: 64]: «لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون» أي من ابتداء خدمته وإتيان التلاميذ إليه لا في الأزل.
(هـ) وكما في قوله في إنجيل يوحنا [8: 44]: «ذاك كان قتالًا للناس من البدء» أي منذ خلق الإنسان الأول لا من بدء نفسه، لأنه كان في البدء ملاك نور.
(و) وكما في رسالة يوحنا الأولى [2: 7] قوله: «بل وصيته قديمة كانت عندكم من البدء». أي أشار به إلى بداءة إيمانهم بالمسيح.
(ز) وكما في قوله في إنجيل يوحنا [16: 4]: «ولم أقل لكم من البداءة لأني كنت معكم». أي من بداءة خدمته. لا من الأزل.
(ح) وكما في رسالة يوحنا الأولى [2: 5] قوله: «والآن أطلب منك بالبرية لا كأني أكتب إليك وصية جديدة بل كانت عندنا من البدء» أي منذ سمعنا الانجيل. لا منذ الازل.
سادسًا: ان عندية المسيح في قول يوحنا «والكلمة كان عند الله» هي عندية منزلة وتشريف، وليست عندية اتحاده بالله، فهذه العندية هي عندية محسوسة وليست عندية اتصال واتحاد، لاستحالة ذلك كله على الله.
ونظير ذلك هو الآتي:
- جاء في سفر التكوين [4: 1]:
«وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قابين، وقالت: اقتنيت رجلًا من عند الرب».
- وجاء بسفر التكوين [19: 24]:
«وأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب».
ونظير ذلك ما جاء في القرآن الكريم عن إسماعيل بن إبراهيم عليها السلام يقول الله تبارك وتعالى في سورة مريم:
-«وكان عند ربه مرضيًا».
وفي وصف الشهداء يقول الله تبارك وتعالى في سورة آل عمران:
- «أحياء عند ربهم يرزقون».
ومن ناحية أخرى نقول أن العندية تقتضي المغايرة في قوله: «والكلمة كان عند الله».
فإن قول يوحنا: «والكلمة كان عند الله» لا يتفق مع قوله: «وكان الكلمة الله».
لأنه إذا كان الله عين الكلمة لا يصح أن تكون الكلمة عنده، لأن العندية تقتضي المغايرة.
فكيف تكون الكلمة هي الله وكيف هي عنده؟
لقد انفرد يوحنا بذكر هذه العبارة في صدر إنجيله وهي عبارة في غاية التهافت والركاكة فهو يقول: «في البدء كان الكلمة. والكلمة كان عند الله. وكان الكلمة الله» وهذا كما ترى عزيزي القارئ كلام مضطرب من جهة لفظه فإن ذلك بمنزلة قول القائل: الكلام عند المتكلم والمتكلم هو الكلام، والعلم عند العالم والعالم هو العلم، والدينار عند الصيرفي والصيرفي هو الدينار، وذلك هو الجنون.
يقول الأستاذ أحمد السيد موسى في معرض رد على هذه العبارة:
مما يؤكد تناقض الإنجيل وتحريفه، أنه قد جاء في أول يوحنا كلام غريب لا يقبله إلا من فقد عقله، حيث يقول العدد: «في البدء كان الكلمة. والكلمة كان عند الله. وكان الكلمة الله».
يعني أن عيسى كان في بدايته كلمة، وهل الكلمة هي التي تنطق بنفسها أم ينطق بها غيرها؟
لا شك أن الكلمة تأتي من نطق الغير بها، إذًا من الذي نطق بكلمة كن عيسى فكان؟ أليس هو الله؟ ومعنى أن الكلمة كانت عند الله، أي نطق الله بها وهي كلمة كن عيسى فكان..
أما أن تتحول الكلمة التي نطق الله بها فتكون هي الله نفسه في الوقت فهذا جنون، هل رأيت إنسانًا نطق بكلمة، ثم تحولت هذه الكلمة في الحال لتصبح هي نفس الإنسان الذي نطبق بها؟!
هل تتحول القصيدة التي ألقاها شاعر إلى أن تكون هي نفس الشاعر؟! أم أن الشاعر هو ناطق، والقصيدة منطوقة بفمه فيكون هو ناطقها أي موجدها وصانعها، والقصيدة مصنوعة مصوغة بإرادته؟
إن أدركت هذا، فافهم الفرق بين الله تعالى الخالق وبين عيسى المخلوق بكلمة الله وقدرته..